المرحلة الثانية
إن صلح الحديبية كان بداية طور جديد في حياة الإسلام والمسلمين ، فقد كانت قريش أقوى قوة وأعندها وألدها في عداء الإسلام ، وبانسحابها عن ميدان الحرب إلى رحاب الأمن والسلام انكسر أقوى جناح من أجنحة الأحزاب الثلاثة ـ قريش وغَطَفَان واليهود ـ ولما كانت قريش ممثلة للوثنية ، وزعيمتهم في ربوع جزيرة العرب انخفضت حدة مشاعر الوثنيين ، وانهارت نزعاتها العدائية إلى حد كبير ، ولذلك لا نرى لغطفان استفزازاً كبيراً بعد هذه الهدنة ، وجل ما جاء منهم إنما جاء من قبل إغراء اليهود .
أما اليهود فكانوا قد جعلوا خيبر بعد جلائهم عن يثرب وكرا للدس والتآمر ، وكانت شياطينهم تبيض هناك وتفرخ ، وتؤجج نار الفتنة ، وتغري الأعراب الضاربة حول المدينة ، وتبيت للقضاء على النبي والمسلمين ، أو لإلحاق الخسائر الفادحة بهم ، ولذلك كان أول إقدام حاسم من النبي بعد هذا الصلح هو شن الحرب الفاصلة على هذا الوكر .
ثم إن هذه المرحلة التي بدأت بعد الصلح أعطت المسلمين فرصة كبيرة لنشر الدعوة الإسلامية وإبلاغها ، وقد تضاعف نشاط المسلمين في هذا المجال ، وبرز نشاطهم في هذا الوجه على نشاطهم العسكري . ولذلك نرى أن نقسم هذه المرحلة إلى قسمين :
1 ـ النشاط في مجال الدعوة ، أو مكاتبة الملوك والأمراء .
2 ـ النشاط العسكري .
وقبل أن نتابع النشاط العسكري في هذه المرحلة ، نتناول موضوع مكاتبة الملوك والأمراء ، إذ الدعوة الإسلامية هي المقدمة طبعاً ، بل ذلك هو الهدف الذي عانى له المسلمون ما عانوه من المصائب والآلام ، والحروب والفتن ، والقلاقل والاضطرابات