مَن قتلَ العراق...؟!
قد يبدو السؤال معادا أو متداولا , لكن الجواب الأساسي والسبب الجوهري الكامن وراء جريمة قتل الوطن لازال مُموها , ولم تسلط الأضواء الواعية عليه وتقدمه بوضوح وتفصيل لأبناء الوطن المقتول.
مَن قتل العراق؟
الجواب بسيط لكنه مغيّب على الدوام.
الجواب هو النفط , الذي يعني الثروة.
فما هو العراق إذا تجرد من النفط؟
هل كانت قد انشغلت به إنكلترا منذ بداية القرن العشرين , وكان سيخطر على بال المشاركين في مجلس العموم البريطاني , وسيأخذ كل وقت وجهد السيد تشرشل. وهل ستنشغل بمصيره كل تلك العقول الستراتيجية التي رسمت مصيره في القرن العشرين , وعقول الدنيا الأخرى التي وضعت خارطة ويلاته في القرن الحادي والعشرين.
هل سيحصل هذا لو لم يكن النفط هو العامل الأقوى والمؤثر في الحياة. حكومة جلالة الملكة أدركت وفقا للوثائق والمستندات , أن العراق يسبح على بحيرة من النفط , وإن النفط هو الطاقة الأساسية التي ستتحكم بمسيرة القرن العشرين , فكان لا بد من إمتلاك العراق , وفي بداية هذا القرن إنطلقت صرخة جديدة في دنيا أخرى عنوانها " إن العراق يسبح في بحر من النفط ولا خيار عندنا إلا إمتلاكه".
ويبدو أن النفط هو السبب المباشر والأساسي والمتواصل في تحقيق ما جرى وسيجري فوق ترابه , وأي تفسير آخر , إنما هو من أجل تغييب هذا العامل وتوفير الأسباب اللازمة لسرقته وحرمان المجتمع من عائداته وفوائده , ودفعه إلى التمتع بالويلات والمآسي والصراعات الدامية الحامية الأركان.
النفط قاتل العراق....
لأن المجتمع لم يتمكن من تشريع القوانين والضوابط والمعايير اللازمة للحفاظ على الثروة الوطنية وعلى رأسها النفط , فلا توجد عندنا قوانين لضبط الثروة النفطية وتحقيق توزيعها العادل في المجتمع. فمنذ أن وجد النفط , وجدت في العراق طبقات ثرية فاحشة الثراء وأخرى فقيرة شديدة الفقر.
والثري في العراق هو الذي يجلس على الكرسي ويملك الحرية في سرقة النفط , لأنه يحسب نفسه المالك الحقيقي له , وعليه أن يتصرف به كما يشاء فيبرم العقود ويضع في حساباته من عائداته ما يريد ويرغب. وهذا يفسر الصراع الشرس على الكراسي والتمسك القاتل بها بأنواعها ودرجاتها. فالكرسي يعني قبضة شديدة على بعض النفط والتصرف به بحرية وطمع وأنانية وفساد.
إن غياب قوانين تنظيم الثروة العراقية , هو السبب الجوهري في إنشاء الكتل والجماعات والأحزاب التي في حقيقة سلوكها ’ تمثل ما تقوم به العصابات المتكالبة على الثروات التي تدرها تجارة المخدرات وغيرها من مصادر الثراء , ولهذا ارتبطت الثروة الفاحشة بسفك الدماء.
نعم إن التمسك بالكرسي سببه الثراء والتحكم المطلق بثروات العراق وحرمان الشعب منها , لأنه يتحول إلى عدو لابد من ابتكار الأساليب اللازمة لقهره وضعفه ومذلته , وإبعاده عن التفكير بالثروة وبالإقتصاد وبالتقدم والرفاه. وربما أن المجتمع العراقي بسبب مؤثرات وأطماع داخلية وخارجية وضغوطات أخرى مدمنة على ثرواته , لم يتمكن من سن القوانين العادلة اللازمة لتحقيق الإستفادة الوطنية من ثرواته, فلا يوجد قانون ينظم حقوق المواطن بالنفط , ولا يوجد قانون يحاسب على التصرف السيء بثروات العراق , وما سمعنا بأن رئيس دولة أو رئيس وزراء قد تم محاسبته بسبب التصرف الفاسد والسيء بالثروات العراقية , ومعظم المسؤولين , ومنذ تأسيس دولة العراق وإلى اليوم قد أمعنوا إتلافا ونهبا وسرقة لثروات العراق.
وأن اكثر الأحزاب والكتل والطوائف لم تكن صادقة في شعاراتها وأقوالها ونشاطاتها , وأن القائمين عليها لا يهمهم إلا الثراء والتعبير الشرس عن الأطماع بثروات العراق. فهذه الصياغات التي تسمى حزبية ومذهبية إنما هي أعمال تجارية (بزنز) شأنها شأن أي عمل تجاري يحقق أرباحا كبيرة , وذلك من خلال التحكم بأبناء المجتمع المغرر بهم وإلهائهم بالشعارات والآراء والتصورات, وشحنهم عاطفيا وإنفعاليا واستعبادهم تماما وتنويمهم طويلا لكي يتم سرقة ثرواتهم .
فدعهم يأكلون الشعارات والهتافات , ودع المجرمين بحقهم يتنعمون بثرواتهم.
فهل استفاد المنتمون لهذه التشكيلات المخادعة المضللة شيئا , أم أنهم أدوات للتعبير عن المشاعر والعواطف السلبية التي تحرمهم من كل شيء وتبدد طاقاتهم , وتوفر الأجواء المناسبة لسرقة ثرواتهم , وحرمانهم منها وتحويلهم إلى قرابين بالجملة وإلى عبيد يخنعون لسيدهم , الذي تمكن من سرقة حقوقهم وإهانتهم وإمتلاكهم وتحطيم إرادتهم بأموالهم وثرواتهم.
فمن هؤلاء الجالسون على كراسي التمتع بثروات العراق , إنهم لكي يثبتوا براءتهم عليهم أن يصدروا التشريعات الواضحة الصارمة التي تحافظ على الثروات العراقية وتمنع عنها السلب والنهب والسطوة والفساد. وأن تتعامل مع جميع العراقيين بعين الإنصاف والعدل والقسطاط المبين.
إن العراقي يلهو بالعراقي لكي يتم سرقة ثرواته وتشريده وحرمانه من حقوقه الوطنية والإنسانية.
وعاش النفط.........!
وسقطت كل الأحزاب والتكتلات البهتانية المضللة التي لا تبشر بالفضيلة.
فهل سيتحقق العدل ويكون القانون صارما ضد السراق وكل نهّاب للنفط وغيره من الثروات. فكفى لعبا وضحكا على الذقون. ولو كان هناك قانون يحقق سلامة وعدالة توزيع الثروات , لما أصبح لأي كرسي قيمة ومعنى , لكن كرسي الحكم في العراق يساوي بئر نفط وأكثر.
وقد لا تصدقون......
لكن ذلك هو البلاء العظيم وأي قول غيره عبارة عن ثريد حول الصحون.