حوار مع صديقى البخيل

كان
شحيحا حتي في حديثه وكأن الحديث يرهقه أو يكلفه مالا يطيق كان مولعا
بملابسه القديمة يشفق ويحنو عليها كحنوالأم علي وليدها أما حذاؤه فقد كان
يشتكي مر الشكوي منه الا أنه يضمد جراحه بالذهاب الي من يحيكه مرة بعد أخري
كنت قريبا من منزله ذات يوم فقلت سأذهب اليه حتي يحين ميعاد كنت مرتبطا به
،ولصديقي هذاخصلة غريبة فلم أره طيلة حياتي في حالة مزاجية معكرة فلا صوت
عال ولا منغصات ولا مكدرات لصفو ابتسامته التي تزين وجهه دائما بيد أنه لا
يكترث بنا جميعا وان كان أحدنا يمر بمشكلات فأسألة للاطمئنان عابرة خالية
من أي حماسة المتألم الا أننا ألفنا ذلك منه وتعودنا عليه طرقت بابه وكلي
أمل أن أجده فالجو حار وان لم أجده سأضطر للذهاب الي منزلي حتي يحين ميعادي
الا أنني والحمد لله وجدته بنفس الابتسامة استقبلني ودخلنا الي حجرة
الأنتريه ،أخذت أجفف عرقي فشقته بالدور الثالث وما ان وجدني علي هذه الحالة
حتي قام بفتح الشباك الذي أرسل نسمات لا تعدو كونها نسمات الا أن حرارة
الجو جعلتني أقول له ألا تدير المروحة قليلا بنفس الابتسامة قال انها معطلة
فقلت في نفسي ما الذي أتي بي الي هنا ؟؟فأخذنا نتبادل اطراف الحديث حتي
قمت أتأمل مكتبته الخاصة والخلاصة أن هذه المكتبة لا تحوي الا الكتب
القديمة التي ينبعث منها رائحة الماضي وأوراقها صفراء مهلهلة الا أنها كانت
متنوعة وقيمة فسألته كم قرأت من الكتب الي الآن ؟؟
قال/ ما يربو علي مائتي كتاب
قلت/ ماشاء الله وما حصيلتهم ؟؟
قال/ هنا ثم أشار الي رأسه
قلت/ كم ساعة تقرأ ؟؟
قال/ لا يقل عن ساعتين
قلت/ وفي أي الكتب تقرأ
قال/ أقرأ ما أجده امامي
قلت/ كيف ذلك ؟؟
قال/ لقد قسمت الكتب الي أقسام انظر، هذا القسم الديني تفسير الشعراوي رجال
حول الرسول خالد محمد خالد احياء علوم الدين للغزالي وغيره، وهنا القسم
الأدبي عالمي ومصري تشارلز ديكنز أرسين لوبين أجاثا كريستي ،توفيق الحكيم،
احسان عبد القدوس وطه حسين وغيرهم وهنا تاريخ مصر الحديث والقديم وغيره
فأنا يا صديقي أقرأهم بالترتيب كما تري هنا
قلت/ والدهشة تملؤني وأين محصلة ذلك كله ؟؟؟
قال/ لقد أجبتك من قبل انها في رأسي
قلت/ وأين ما تعلمته ألا تعلم غيرك ؟؟؟
قال/ تقصد الناس اليس كذلك ؟؟؟ان الناس يا صديقي يحبون الجهل ويكرهون
المعرفة لا تتعجب هكذا نعم ان المعرفة تضعهم امام أخطائهم وهم يكرهون أن
يروا أخطاءهم وان حاولت أن تنير لهم الدرب خلعوا عليك من الصفات الذميمة
وحاربوك بكل الوسائل الرخيصة
قلت ربما ما تقوله فيه شيء من الصحة ولكن ليس هذا عذرا لكي لا تقدم للناس ماعلمته أو تعلمته فهذا حق عليك ودين واجب السداد
قال/ ضاحكا أنت يا صديقي تضخم المسائل فنحن مسؤولون عن أنفسنا وأهلينا فقط .
قلت /أي انسان خلقه الله عز وجل وأعطاه ما أعطاه من نعم هي بالتأكيد ليست
قاصرة عليه مثلا المال فيه زكاة والصحة لها زكاة والعلم أيضا فيه زكاة .
قال/ نعم فزكاته عندي لأولادي .
قلت/ ان الزكاة لا تجب علي من علي عاتقك نفقتهم ..
قال/ بعد صمت لم يسألني أحدا معرفة .
قلت/ وهل من المفترض أن تسألك الناس عن زكاتك؟ ألا يجب عليك اخراجها من نفسك؟ أنت يا صديقي تعيش لنفسك ولأولادك فقط .
قال /نعم أحيا لنفسي ولأولادي وهذه هي رسالتي أما من حولي فعليهم البحث
مثلي لماذا أعطيهم حصيلة فكري وتجاربي التي عانيت حتي حصدت حصادها أو حتي
قراءاتي التي تجهد عيناي ورأسي أو حتي ما أكتبه عقب ككتاب من ملخص له وما
استفدت منه .
قلت /وماذا لو أن أولادك لم يستمعوا اليك ووجدت منهم صدا وعدم القبول علي
المعرفة ؟أوأنك قبضت الي الله عز وجل قبل أن تفيدهم ثم ألقوا بكتبك
وملخصاتك التي دونتها في سنوات في سلة المهملات ؟
ولأول مرة في حياتي أري وجهه تغير للحظات ثم عادت من جديد ابتسامته تعلو
وجهه ،أما لو لم يستمع لي أولادي فهم وشأنهم يكفيني أني أقرأ لهم وأعدلهم
الملخصات أما لو توفاني الله فالحمد لله سألقاه بما علمت وما عملت والي هذا
الحد وجدت أن الحديث لن يجدي نفعا فبدأت أشعر من جديد بحرارة الجو فطلبت
من صديقي كوب ماء ،فجاءني به علي عجل ولكنه لم يكن باردا الا أنني تجرعتها
مرة واحدة ثم نظرت الي ساعتي فوجدت أن ميعادي أزف فأستأذنت من صديقي وودعني
بابتسامته المعهودة -----
ولكن النقاش لم ينته بعد فمن أراد أن يقول برأيه فمرحبا به --------عابر سبيل