أيمن الشعبي,طفل في العاشرة من عمره,ورززات,هوليود المملكة المغربية,طفل موهوب شعرت أسرته بموهبته في أكثر من مناسبة,أدمن التمثيل,وأصبح يزاوله في النوم و اليقظة و على مائدة الإفطار و أمام الضيوف و في الشارع,إلى درجة أنه
إدعى يوما أنه مغمى عليه وكادت أمه أن تنهار من طريقة سقوطه على الأرض,كانت بداخله طاقات إبداعية لا حصر لها,ففي
المدرسة لم يكن يهتم بالدرس,بالقدر الذي يستغل فيه فرصة غياب المعلم ليقوم بدوره,يلبس وزرة بيضاء و يضع النظارات
على عينيه و يحمل عصى قصيرة و يبدأ في الشرح على السبورة ليحول بذلك القسم إلى مسرح,وكان دائما سببا في معاناة
والديه,إلى أن تم فصله عن الدراسة في سن يناهز الثالثة عشرة,بعد أن إستيأس رجال التعليم من إمكانية لفته إلى الدراسة
ومنذ ذلك الوقت و هو يعكف على متابعة فرق الإنتاج أينما حلوا و ارتحلوا في الضواحي ليشاهد المصورين و فريق الإنارة والهندسة الصوتية و المخرج و الممثلين العالميين و زمرة من ممثلي الكومبارس,و هم يلبسون أزياء أدوار ثانوية قد أُنيطت
بهم و من تم إلى غرفة المكياج إلى أن يؤدوا أدوارهم بعد جملة '' action '' وتوالت الأيام تلو الأخرى,فتــــعلم فيها أيـمن من أخطاء الممثلين و من تقنياتهم في العمل و تقدم خطوة إلى الأمام,فلم يعد يكتفي بالمشاهدة فقط ,لا بل تخطى هذه المرحـلة إلى أن أخذ مكانا له وراء صفوف الكبار الذين يتجمهرون عند كل إشعار بوصول فرق إنتاج الى المنطقة,وجاء دوره في الصف,وتم أخذ صورة له لإرسالها إلى المخرج,فتمت الموافقة عليه,و منذ تلك اللحظة و هو من دور إلى آخر دون كلل أوملل
كان يتقاضى أجرا بقيمة خمسمائة درهم بعد انتهاءه من أي دور عدا صور تذكارية مع فنانين عالميين,وصلت في خلال أربـع
سنوات إلى خمسة آلاف صورة فتوغرافية,وبلغ التاسعة عشر من عمره,مضت في لمح البصر دون أي جديد,إلى أن ظهرت في حياته نجاة,فتاة جميلة من عائلة محافظة,شقت طريقها نحو العمل كَعاملة بالمكياج,أعْجِبَ بها و أصبحت حلم حياته,كان مترددا في البوح بمشاعره لها و اتخذ من الرسائل وسيلة لإيصالها اليها,لكن,واجهته مشكلة في الكتابة فقد نسي مع التمثيل
كل ما تعلمه عن فن الرسالة,ولذا فكر في الإستعانة بجاره و صديق عمره حميد,كان أيمن يعبر عن شعوره و حميد يترجم
كل ما يقوله باللغة العربية,فأرسل الرسالة الأولى و الثانية و الثالثة,لا جديد,وكأنها لم تقرأها أو أنها لا توليه أدنى إهتمام
وقَلَّ نشاطه وفترت همته,وازدادت حيرته,ترى لما تتصرف معي بهذا البرود وكأنها بلا قلب؟؟,على الأقل كانت لتظهر عدم رغبتها بالتجاوب معي لأرتاح,وقرر ذات يوم أن يواجهها,عند انتهاءها من العمل استوقفها و قال لها أنه يحبها و أنه من أرسل لها تلك الرسائل,فإذا بها أخرجتها من حقيبت يدها و قالت'' إذا كانت هذه رسائلك فاقرأها لي لأنني لا أعرف القراءة ''
إنها لم تكن تعلم ما الذي أُرسل لها و لم تكن تجرأ على البوح بهذا,وقال لها '' حسنا أنا أيضا لا أعرف القراءة و لا الكتابة إنما هو صديق لي من كتبها,فأنفجرا ضحكا و فرح كل منهما بهذا الخبر,ومنذ ذلك الحين و هما على وفاق ومرت الأيام وقـرر
أيمن أن يتزوجها بعد أن قبلت بكل ظروفه,فتزوجا و عاشا سعادة لا مثيل لها على الرغم من الفقر و ضنك المعيشة ,أنجبـت له نجاة توأمين أسماتهما سامي و اسماء,وكم فرحا بهما أيما فرح فهما ضياء العيون و زينة الحياة,وازداد نشاط الوالدين في
مجال السينما,وأصبح أيمن يتقاضى الف درهم بعد كل عمل جديد,إنه تقدم ملموس,وبعد أن بلغ الثلاتين,قرر أن يتعلم في
مركز لمحاربة الأمية بالمدينة و سجل زوجته بنفس المركز,وبدأ مشوار التعلم بمعية نجاة وتعاونا معا على إنجاز التمارين
المقررة لهما و تحديا بكل حزم عوائق الأمية و الجهل ,و بدأ أيمن يعلم سامي و نجاة تعلم أسماء لغة الضاد حرفا بحرف,وكـم
سَعِدا بتعليمهما أولى الكلمات,فكل شيء كان رائعا إلى أن استيقظنا في صباح أحد الأيام لنرى بيتهما قد تحول إلى حطام
لقد مات الأربعة في حريق لم يترك منهم إلا رمادا,إنتقلت وحدة الشرطة إلى عين المكان و جرت التحقيقات مع جميع الجيران
وكلهم أقروا بأنهم كانوا نائمين,فـأي نوم هذا يُغْفِلُهُم عن سماع ألسنة النيران و هي تقضي على أسرة بأكملها,وكيف يغفلــون
عن صرخات الطفلين وأبويهما !!,وأقفل المحضر بعد يومين و قيدت الحادثة ضد مجهول,لكن,من يكون هذا المجهول,صمت
الجميع,وأكتفوا بدفن جثامينهم بمقبرة المنطقة و عادوا يحولقون و يهللون وضلت الحقيقة بين أخذ ورد وكان وصار,في الليلة التالية,هم الجيران المخلصون بإلتهام عشاء العزاء,ووالدا الراحلين يتقطعان في أحزانهما,بينما جلست زمرة من فقهاء
التسول بكتاب الله,على مائدة العشاء مع البقية وهم يزدردون الولائم,ويتبادلون الحديث لا بل ويضحكون وكأن لم يحدث هناك
أي شيء,بعد تلك الليلة,تفرق الجمع و عادت الحياة إلا طبيعتها,فمن ماتوا ليسوا من أبناء الشعب بل من حثالته,فقراء وما
للفقير بعد الموت إلا أن يكرم بدفن,لا داعي للبحث وراء الفاعل,ولا داعي لتعويض أُسَرِ الضحايا فقد ألفوا مس الدوائر و سيعوضهم الله بصبرهم, فإذن لما الجلبة,حاول حميد,أن يعيد فتح التحقيق بقضية صديقه وأسرته المفقودة,ولم يجد إلا الصد
وعندما راسل الصحافة و كتبت له بضع مقالات مثيرة,قاموا بالقبض عليه بتهمة التشيير بسمعة رجال الشرطة بدون دلائل
ملموسة,وتعرض للمحاكمة,وصودرت الجريدة التي تبنت مقالاته,وحكم عليه بتسع سنوات سجنا نافذا,بعد خروجه من السجن
بعد كل تلك السنوات وجد والده قد توفي و هاجرت والدته مدينة ورززات,وضاعت الحقيقة,و ضاع مستقبله,ومنذ ذلك الحين
إختفى عن الأنظار,ولم يعرف له من أثر بعدها,وشاعت عنه أقاويل كثيرة,فمنهم من يقول أنه وجد ميتا في أحد الطرقات و منهم من قال أنه جُنَّ من الصدمة و منهم من قال أنه يتسول في مدينة الرباط,وكثر الحديث و لا فائدة,بعد إختفاء حميد ولـد
ملايير الأطفال و استمرت الحياة,وبعد وفاة نجاة لم يتوقف أحد عن تزويج إبنته لفقير,فهذه سُنَّة الحياة,وبعد وفاة أيمن لم تتوقف فرق الإنتاج عن إصدار الأفلام و لم تتوقف ورززات عن استقطاب السياح و لم تُحْرَمْ من لقب هوليود المغرب,فإن
مات كومبارس واحد فالأرض ستنجب للسينما العالمية ما لا حصر له من رجال و نساء الكومبارس الذين يسعون وراء لقمة
العيش بأي ثمن,إن الراحل أيمن لم يكن إلا مثالا بسيطا وحرفا من الحروف التي تكون أسماءً لنجوم أرخوا النجومية في الخفاء ولو أنهم وجدوا فرصتهم في الحياة لأصبح لهم الحق في قول كلمتهم أمام منابر الصحافة و الإعلام ولما قبعوا مجرد
صور في ألبوم الذكريات,يطالهم النسيان,تحت أقدام الزمان.