بالرغم من أن عملي كان له الحصة الأكبر من ساعات يومي إلا أن شاطئ المدينة استطاع الاستحواذ على جزء بسيط منه
ومع أن تلك الوظيفة كانت قد اكتسبت صفة الإرهاق إلا أنني أحبها
فيومي بين عملي ومنزلي وأخيراً ذلك الشاطئ , اعلم أنها حياة جامدة بعض الشيء إلا أنني راضٍ بها تماماً , فلا املك فرصة للبحث عن جديد , ولم تحلق في سمائها أي فرصة لتغيرها
“بدأ ذلك الحلم عندما كنت في الحافلة ذاهبا إلى عملي ، تذكرت أنني لم أغلق نافذة غرفتي الصغيرة .. بالرغم من أهميتها في حماية بيتي من الغبار والأتربة إلا أن ذلك لم يكن سبباً كافياً للعودة .... وكذلك حتى انتهى دوامي
عدت منزلي .. ولفت انتباهي نافذة الغرفة التي سهوت عن إغلاقها عند خروجي... فأغلقتها وأخذت قسطاً من الراحة حتى اقتربت لحظات الغروب فرصتي في الخروج من المنزل والاستمتاع بعض الشيء أمام أمواج البحر....
وصلت الشاطئ لأجد مقعدي المفضل شاغرا ... جلست....وبدأت التأمل بقدرة الخالق عز وجّل
سرحت بأمواج البحر لم أكن اسمع ما يدور من حولي ولم أكن أرى احداً سوا تلك الأمواج وبقيت كذلك حتى اصطدم حجر صغير بظهري ، يبدو أن هنالك أطفالاً يلهون خلفي برمل الشاطئ .... لم اهتم لذلك وبقيت على وضعيتي
لم تمضي لحظات وإذا بحجر آخر
نظرت خلفي يميناً ويساراً
أين الأطفال ، لا يوجد احد خلفي .... لم يكن سوا فتاةً جالسة خلفي تنظر لي وتبتسم
ما هذا !!.. هل يعقل أن تكون هي الفاعلة
عدت إلى وضعيتي ... أهملت البحر ... أهملت الأمواج.... ولم اعد أفكر سوا بتلك الفتاة ... قلت في قرارة نفسي ... “ إن تكرر ذلك ثانيا سأذهب إليها واسـ...." وإذا بحجر آخر ...
وقفت انظر حولي بتمعن أكثر
وبدأت أسير باتجاهها
ظلت ابتسامتها كما كانت ، وعندما اقتربت منها لاحظت بأن ملامحها جميلة
بفمها الصغير وعيناها الواسعتان وشعرها الذي يغطي كتفها الأيمن وذلك الثوب الأبيض النقي الذي يزيدها جمالا
“مرحبا " كانت البداية مني
لم تجبني واكتفت بتلك الابتسامة
مما أشعرني ببعض الإحراج
فسألتها مباشرة
عفوا فقط أريد أن أسألك هل كنت أنتي من....!!
حركت رأسها قبل أن أكمل سؤالي وقالت نعم انا
" لماذا "
قالت أراك كل يوم تأتي إلى الشاطئ وتجلس وحدك لساعات ثم تغادر
حاولت لفت انتباهك عدة مرات لكن دون جدوى ... صمتت قليلا ثم قالت
منزلي هناك وأشارت بإصبعها إلى منزل قريب من أنظاري
واقضي اغلب وقتي على الشاطئ وكثيرا ما أراك وأحاول الإحتكاك بك ..... لكنك لا تعير احداً أي انتباه
كنت استمع إليها والفرح يغمرني شيئا فشيا - نعم .. أن تشعر بان احدا يهتم بك ويراقبنك شعور رائع - أحسست بغيوم ماطرة تقترب من صحراء قلبي الجافة ....
جلست بجانبها وتبادلنا اطراف الحديث
بالرغم من جرأتها في لفت انتباهي, إلى أن الخجل ظهر كثيرا على طيات وجنتها أثناء الحديث ، كانت ضحكتها رائعة حقا وصوتها وكانه دواء العليل ، وبين صوتها وصوتي بدأ صوت المنبه يزعجني .. لكنني تمسكت بها وتابعت حديثي معها ، فيعود صوت المنبه ثانية وانا أحاول إهماله حتى تمكن من إيقاظي .... فتحت عياني لأجد نفسي على سريري الذي يتوسط غرفتي.... علمت بأن ذلك كان مجرد حلم... لكنني لم احزن بل كنت سعيدا لذلك فقد كان وكأنه بقعة ضوء في حياتي ، او كشعاع من النور أضاء أحلامي المظلمة ، حتى وإن كانت وهما..
مما دفعني للقيام بنشاط وسرور لارتدي ملابسي واخرج من المنزل على عجل باتجاه عملي ..لكنني تذكرت شيئا رسم الابتسامة على شفتاي وانا في الحافلة
تذكرت بانني لم اغلق نافذة غرفتي الصغيرة .