كان لامرأة ابن، فغاب عنها غيبة طويلة، وأيست من رجوعه، فجلست يوما تأكل، فحين كسرت اللقمة وأهوت بها إلى فيها، وقف بالباب سائل يستطعم فامتنعت عن أكل اللقمة وحملتها مع تمام الرغيف فتصدقت بها وبقيت جائعة يومها وليلها، فما مضت إلا أيام يسيرة حتى قدم ابنها فأخبرها بشدائد عظيمة مرت به وقال: أعظم ما جرى عليّ أني كنت منذ أيام أسلك طريقا في فلاة إذ خرج عليّ أسد فانقض عليّ من على ظهر حمار كنت أركبه وفر الحمار هاربا، ونشبت مخالب الأسد في مرقعة كانت عليّ وثياب تحتها وجبة، فما وصل إلى بدني كبير شيء من مخالبه إلا أني تحيرت ودهشت وذهب أكثر عقلي والأسد يحملني حتى أدخلني كهفا وبرك عليّ ليفترسني، فرأيت رجلا عظيم الخلق أبيض الوجه والثياب وقد جاء حتى قبض على الأسد من غير سلاح وشاله وخبط به على الأرض وقال: "قم يا كلب، لقمة بلقمة"، فقام الأسد يهرول، وثاب إليّ عقلي، فطلت الرجل فلم أجده، وجلست بمكاني ساعات إلى أن رجعت إليّ قوتي ثم نظرت إلى نفسي فلم أجد بها بأسا فمشيت حتى لحقت بالقافلة التي كنت فيها فتعجبوا لما رأوني فحدثتهم حديثي، ولم أدر ما معنى قول الرجل: "لقمة بلقمة". فنظرت المرأة فإذا هو وقت أخرجت اللقمة من فيها فتصدقت بها (1).
إن الصدقة تطفىء غضب الرب وتنجي بإذن الله من المهالك وترد البلايا وتبارك في العمر، وربما صدقة تصدّ بإذن الله مصائب كبيرة، فلا نستهين بأمر الصدقة ولو كانت قليلة، فاتقوا النار ولو بشق تمرة؛ فهذه الأم التي انشغلت بغياب ولدها الطويل حتى يئست من رجوعه كانت صدقتها التي تصدقت بها وهي في حاجة إليها كانت سببا لإنقاذ ولدها من موت محقق وسببا في عودته سالما، فتصدقوا فما عند الله خير وأبقى.
قال الله تعالى: {إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271)} (2).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفىء غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر» (3).