رابطة دعاة التوحيد العراقية :: فكاك الأسارى من أعظم الواجبات
بسم الله الرحمن الرحيم
فكاك الأسارى من أعظم الواجبات
إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره ، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ، و من سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و أشهد أن محمداً عبده و رسوله .
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَ لا تَمُوتُنَّ إِلا وَ أَنْتُمْ مسلمون } [ آل عمران : 102 ] .
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَ خَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَ بَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَ نِسَاءً وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } [ النساء : 1 ] .
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْاتَّقُوا اللَّهَ وَ قُولُوا قَوْلاً سَدِيْداً وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } [ الأحزاب : 70 – 71 ] .
أما بعد ...
{ وَ مَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَ النِّسَاءِ وَ الْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَ اجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَ اجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا } [ النساء : 75 ] .
دلت النصوص الشرعية على وجوب نصرة المسلم ، و تحريم خذلانه و إسلامه لعدوه ، أو التخلي عنه ، كقوله تعالى : { وَ إِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ } [ الأنفال : 72 ] ، و ما ثبت في صحيح مسلم و عند أصحاب السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه و لا يخْذُلُه ).
قال ابن العربي المالكي رحمه الله في معرض حديثه عن الأسرى المستضعفين من المسلمين : ( إنّ الولاية معهم قائمة ، و النصرة لهم واجبة بالبدن بألاّ يبقى منا عين تطرف حتى نخرج إلى استنقاذهم ؛ إن كان عددناًَ يحتمل ذلك ، أو نبذل جميع أموالنا في استخراجهم ، حتى لا يبقى لأحد درهم ، كذلك قال مالك و جميع العلماء ، فإنا لله و إنا إليه راجعون على ما حلَّ بالخلق في تركهم إخوانهم في أمر العدو ، و بأيديهم خزائن الأموال ، و فضول الأحوال ، و العدة و العدد ، و القوة و الجلد ) [ أحكام القرآن : 440/2 ] .
و قال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى { وَ مَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَ النِّسَاءِ وَ الْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَ اجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَ اجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا } [ النساء : 75 ] : حض على الجهاد ، و هو يتضمن تخليص المستضعفين من أيدي الكفرة المشركين الذين يسومونهم سوء العذاب و يفتنونهم عن الدين ، فأوجب تعالى الجهاد لإعلاء كلمته ، و إظهار دينه و استنقاذ المؤمنين الضعفاء من عباده و إن كان في ذلك تلف النفوس ) [ تفسير القرطبي : 5 / 279 ] . و لا يحقره ) .
وقال ابن حجر الهيتمي : ( ولو أسروا مسلما فالأصح وجوب النهوض إليهم فوراً على كل قادر ) [ تحفة المحتاج : 9/237 ] .
وثبت فيهما عن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:-ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضوا تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى)رواه البخاري.
وثبت فيهما أيضًا عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم قال:-(المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا، ثم شبك بين أصابعه) رواه البخاري.
وخرج أبو داود من حديث أبي طلحة الأنصاري وجابر بن عبدالله عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال :-(ما من امرئ مسلم يخذل امرأ مسلما في موضع ينتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله -تعالى- في موطن يحب فيه نصرته وما من امرئ مسلم ينصر مسلما في موضع ينتقص من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب نصرته).المحدث: ابن حجر العسقلاني، حسن كما قال في المقدمة]، وخرج الإمام أحمد من حديث أبي أمامة بن سهل عن أبيه عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال:-(من أذل عنده مؤمن فلم ينصره وهو يقدر على أن ينصره أذله الله -عز وجل- على رؤوس الخلائق يوم القيامة) المحدث:الشوكاني، صحيح، وخرج البزار من حديث عمران بن حصين عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال:-(من نصر أخاه المسلم بالغيب نصره الله في الدنيا والآخرة) المحدث: المنذري، إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما.
اما أقوال العلماء حول وجوب فكاك الأسرى المسلمين:
قال العز بن عبد السلام -رحمه الله-:
وإنقاذ أسرى المسلمين من أيدي الكفار من أفضل القربات، وقد قال بعض العلماء: إذا أسروا مسلمًا واحدًا وجب علينا أن نواظب على قتالهم حتى نخلصه أو نبيدهم، فما الظن إذا أسروا خلقًا كثيرًا من المسلمين!" (ص97، أحكام الجهاد وفضائله).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (الفتاوى28/635)
فكاك الأسارى من أعظم الواجبات، وبذل المال الموقوف وغيره في ذلك من أعظم القربات.
قال القرطبي رحمه الله
قال علماؤنا فداء الأسرى واجب وإن لم يبق درهم واحد. قال بن خويز منداد تضمنت الآية وجوب فك الأسرى وبذلك وردت الآثار عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه فك الأسرى وأمر بفكهم وجرى بذلك عمل المسلمين، وانعقد به الإجماع. ويجب فك الأسرى من بيت المال فإن لم يكن فهو فرض على كافة المسلين، ومن قام به منهم سقط الفرض عن الباقين.
قال ابن قدامة رحمه الله
فصل، ويجب فداء أسرى المسلمين، وبهذا قال عمر بن عبد العزيز ومالك وإسحاق ويروى عن ابن الزبير أنه سأل الحسن بن علي: على من فكاك الأسير؟ قال على الأرض التي يقاتل عليها، وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:-(أطعموا الجائع وعودوا المريض وفكوا العاني) -رواه البخاري-، وروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كتب كتابًا بين المهاجرين والأنصار: "أن يعقلوا معاقلهم وأن يفدوا عانيهم بالمعروف" [المحدث: أحمد شاكر، صحيح]، وفادى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلين من المسلمين بالرجل الذي أخذه من بني عقيل وفادى بالمرأة التي استوهبها من سلمة بن الأكوع رجلين.
فهذه النصوص قد أطلق فيهما الفكاك فلم يقيد بنوع معين، فكل شيء استطعنا فكَّ الأسرى به تعيّن علينا فعله، وهكذا فعل الفقهاء فقالوا بوجوب الحرب لفك الأسرى -إذا استطعنا فك الأسرى بها-وعلى الامة ان تنفر بالسلاح لقتال الكفار وإنقاذ اسري المسلمين من أيديهم او يبذلوا الأموال كلها من اجل ذلك.